إن إنتاج علماء العرب والمسلمين الضخم في مجال العلوم الرياضية يوضح تمامًا
المكانة العظيمة التي وصلت إليها الحضارة العربية والإسلامية، ولا شك أن
لعلماء العرب والمسلمين في هذا الحقل أثرًا لا ينكر شأنه وقدره في قيام
المدنية الحديثة التي ما كان لها أن تشب وتزدهر في بلاد الغرب لو لم تعتمد
على أساس قوي من هذا التراث.
فتح علماء العرب والمسلمين في ميدان العلوم الرياضية بحنكة وذكاء خارقين قلوبهم وعقولهم لإنتاج الأمم السابقة لهم في هذا الحقل الحيوي، لذا تمكنوا وبجدارة مرموقة من صهر هذه الإسهامات مع إسهاماتهم في بوتقة واحدة ليقدموا للإنسانية حضارة عربية وإسلامية متكاملة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن علماء العرب والمسلمين في العلوم الرياضية اعتمدوا على الملاحظة والقيام بالتجارب والقياسات فشككوا في الكثير من نظريات قدماء اليونان الخاطئة وعدلوها، وبذلك افتتحوا الطريقة العلمية الحديثة في التفكر والبحث لمعرفة النظريات الرياضية.
لقد ظهر في صدر الإسلام ـ في عصر الدولة العباسية ـ جمهرة من العلماء البارزين في العلوم الرياضية، ومنهم عالمنا (محمد بن موسى الخوارزمي).
عاش محمد بن موسى الخوارزمي في بغداد فيما بين 164 ـ 235 هجرية (850,780م) وتوفي ـ رحمه الله ـ هناك، وقد برز في زمن خلافة المأمون، ولمع في علم الرياضيات والفلك حتى عينه المأمون رئيسًا لبيت الحكمة.
وفي بيت الحكمة طور الخوارزمي الفكر الرياضي وذلك بإيجاد نظم لتحليل كل من معادلات الدرجة الأولى والثانية ذات المجهول الواحد بطرق جبرية وهندسية، لذا يعتبر الجبر والمقابلة للخوارزمي هو أول محاولة منظمة لتطوير علم الجبر على أسس علمية منطقية.
إن الرياضيات التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان تجعل حساب التقســيم الشرعي للتركات بين الورثة معقدًا للغاية - إن لم يكن مســتحيلاً - وهــذا مـا دفــع الخـوارزمي للبحــث عن طــريق أدق وأشــمل وأكثر قابلية للتكيف، فاستعمل علم الجبر، وقد وجد الخوارزمي متسعًا من الوقت لكتابة علم الجبر الذي جعله مشهورًا حينما كان منهمكًا في الأعمال الفلكية في بغداد.
وقد بين الخوارزمي في مقدمة كتابه (حساب الفلك والجبر والمقابلة) أن الخليفة المأمون هو الذي طلب منه أن يؤلف كتاب: (حساب الجبر والمقابلة) كي يسهل الانتفاع به في كل ما يحتاج إليه الناس، وهنا نورد نص مقدمة كتاب (حساب الجبر والمقابلة):
وقد شجعنا ما فضل الله به الإمام (المأمون) أمير المؤمنين من الخلافة التي حاز له إرثها، وأكرمه بلباسها، وحلاه بزينتها، من الرغبة في الأدب وتقريب أهله وأبنائهم، وبسط كنفه لهم، ومعونته إياهم على إيضاح ما كان مشتبهًا وتسهيل ما كان مستوعرًا.
على أني ألفت من كتاب الجبر والمقابلة كتابًا مختصرًا، حاصرًا للطيف الحساب وجليله، لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقسماتهم وأحكامهم وتجاراتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأراضي وكري الأنهار والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه، مقدمًا لحسن النية فيه، راجيًا لأن ينزله أهل الأدب بفضل ما استودعوا منه نعم الله ـ تبارك وتعالى ـ وجليل آلائه وجميل بلائه عندهم منزلته، وبالله توفيقي في هذا وفي غيره، وعليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
وترجم جيرارد قرمونة كتاب (حساب الجبر والمقابلة) للخوارزمي إلى اللغة اللاتينة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وظل كتاب الخوارزمي في الجبر معروفًا في أوروبا باللغة اللاتينية، ولكن في سنة 1247هـ (1831م) عثر على نسخة باللغة العربية في مكتبة(بودلين) في اكسفورد في بريطانيا ونشرت بالحروف العربية في العام نفسه ليس فقط في أوروبا ولكن في العالم العربي والإسلامي.
لقد أوحى الخوارزمي بفكرة المحددة التي تعتبر من أهم موضوعات الجبر الحديث، ثم قام العالم الياباني (سيكي كاو) (1642 ـ 1708م) بتطويرها، وليس كما يدعي علماء الغرب من أن (ويلهم ليبنز) الألماني (1646 ـ 1716م) هو مبتكر المحددة، غير أن العالم الفرنسي (اوقستين لويس كوشي) (1789 ـ 1857م) عمم المحددة وطبقها على الحياة العلمية.
لقد استعمل الخوارزمي طريقة البنائية لإيجاد جذر المعادلة بكل نجاح، لذا فإن الخطأ بين موضوعين يعتبر من ابتكار الخوارزمي، وهذه الطريقة أدت دورًا مهمٌّا في التحليل العددي، وتعرف في اللغة الإنجليزية باسم False positions
كما عرّف الخوارزمي الوحدة المستعملة في المساحات، واستخـــدم (التكسير) ويقصد بذلك المساحة، سواء كانت سطحية أو حجمية.
كما تطرق إلى إيجاد مساحات بعض السطوح المستقيمة الأضلاع والأجسام، والدائرة، والقطعة، والهرم الثلاثي والرباعي، والمخروط، والكرة، واستعمل النسبة التقريبية وقيمتها ط = 8/22 أو 10 لذا فإن الخوارزمي قد أثرى علم الجبر باستعماله بعض الأفكار الجبرية لمعرفة المساحة.
كان الخوارزمي يعرف أن هناك حالات يستحيل فيها إيجاد قيمة للمجهول (الكميات التخيلية) وسماها الحالة المستحيلة، وبقيت معروفة بهذا الاسم بين علماء الرياضيات حتى بدأ العالم السويسري المعروف ليونارد أويلر (1707 ـ 1783م) وعرف أويلر الكميات التخيلية بأنها الكمية التي إذا ضربت في نفسها كان الناتج مقدارًا سالبًا وأعطى كثيرًا من الأمثلة على هذا.
ثم جاء العالم الألماني كارل قاوس (1777 ـ 1855م) فركز على دراسة الكميات التخيلية وخواصها وبلورها والجدير بالذكر أن الكميات التخيلية قادت في النهاية إلى معرفة التحليل المركب الذي يعتبر من أهم العلوم الرياضية في العصر الحديث.
وممـا لا يقبل الجدل والتأويل أن الفضل يرجع أولاً وأخيرًا لله تعالى ثم للعالم الإسلامي محمد بن موسى الخوارزمي ثم لعلماء الغرب الذين طوروا في الكميات التخيلية حتى وصلوا بها إلى أن صارت علمًا مستقلا يعرف بعلم التحليل المركب. رحم الله علمائنا الأفذاذ جزاء ما قدموا لنا.
* راجع كتاب (موسوعة نوابغ العرب والمسلمين في العلوم الرياضية).
فتح علماء العرب والمسلمين في ميدان العلوم الرياضية بحنكة وذكاء خارقين قلوبهم وعقولهم لإنتاج الأمم السابقة لهم في هذا الحقل الحيوي، لذا تمكنوا وبجدارة مرموقة من صهر هذه الإسهامات مع إسهاماتهم في بوتقة واحدة ليقدموا للإنسانية حضارة عربية وإسلامية متكاملة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن علماء العرب والمسلمين في العلوم الرياضية اعتمدوا على الملاحظة والقيام بالتجارب والقياسات فشككوا في الكثير من نظريات قدماء اليونان الخاطئة وعدلوها، وبذلك افتتحوا الطريقة العلمية الحديثة في التفكر والبحث لمعرفة النظريات الرياضية.
لقد ظهر في صدر الإسلام ـ في عصر الدولة العباسية ـ جمهرة من العلماء البارزين في العلوم الرياضية، ومنهم عالمنا (محمد بن موسى الخوارزمي).
عاش محمد بن موسى الخوارزمي في بغداد فيما بين 164 ـ 235 هجرية (850,780م) وتوفي ـ رحمه الله ـ هناك، وقد برز في زمن خلافة المأمون، ولمع في علم الرياضيات والفلك حتى عينه المأمون رئيسًا لبيت الحكمة.
وفي بيت الحكمة طور الخوارزمي الفكر الرياضي وذلك بإيجاد نظم لتحليل كل من معادلات الدرجة الأولى والثانية ذات المجهول الواحد بطرق جبرية وهندسية، لذا يعتبر الجبر والمقابلة للخوارزمي هو أول محاولة منظمة لتطوير علم الجبر على أسس علمية منطقية.
إن الرياضيات التي ورثها علماء العرب والمسلمين عن اليونان تجعل حساب التقســيم الشرعي للتركات بين الورثة معقدًا للغاية - إن لم يكن مســتحيلاً - وهــذا مـا دفــع الخـوارزمي للبحــث عن طــريق أدق وأشــمل وأكثر قابلية للتكيف، فاستعمل علم الجبر، وقد وجد الخوارزمي متسعًا من الوقت لكتابة علم الجبر الذي جعله مشهورًا حينما كان منهمكًا في الأعمال الفلكية في بغداد.
وقد بين الخوارزمي في مقدمة كتابه (حساب الفلك والجبر والمقابلة) أن الخليفة المأمون هو الذي طلب منه أن يؤلف كتاب: (حساب الجبر والمقابلة) كي يسهل الانتفاع به في كل ما يحتاج إليه الناس، وهنا نورد نص مقدمة كتاب (حساب الجبر والمقابلة):
وقد شجعنا ما فضل الله به الإمام (المأمون) أمير المؤمنين من الخلافة التي حاز له إرثها، وأكرمه بلباسها، وحلاه بزينتها، من الرغبة في الأدب وتقريب أهله وأبنائهم، وبسط كنفه لهم، ومعونته إياهم على إيضاح ما كان مشتبهًا وتسهيل ما كان مستوعرًا.
على أني ألفت من كتاب الجبر والمقابلة كتابًا مختصرًا، حاصرًا للطيف الحساب وجليله، لما يلزم الناس من الحاجة إليه في مواريثهم ووصاياهم، وفي مقسماتهم وأحكامهم وتجاراتهم، وفي جميع ما يتعاملون به بينهم من مساحة الأراضي وكري الأنهار والهندسة، وغير ذلك من وجوهه وفنونه، مقدمًا لحسن النية فيه، راجيًا لأن ينزله أهل الأدب بفضل ما استودعوا منه نعم الله ـ تبارك وتعالى ـ وجليل آلائه وجميل بلائه عندهم منزلته، وبالله توفيقي في هذا وفي غيره، وعليه توكلت وهو رب العرش العظيم).
وترجم جيرارد قرمونة كتاب (حساب الجبر والمقابلة) للخوارزمي إلى اللغة اللاتينة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وظل كتاب الخوارزمي في الجبر معروفًا في أوروبا باللغة اللاتينية، ولكن في سنة 1247هـ (1831م) عثر على نسخة باللغة العربية في مكتبة(بودلين) في اكسفورد في بريطانيا ونشرت بالحروف العربية في العام نفسه ليس فقط في أوروبا ولكن في العالم العربي والإسلامي.
لقد أوحى الخوارزمي بفكرة المحددة التي تعتبر من أهم موضوعات الجبر الحديث، ثم قام العالم الياباني (سيكي كاو) (1642 ـ 1708م) بتطويرها، وليس كما يدعي علماء الغرب من أن (ويلهم ليبنز) الألماني (1646 ـ 1716م) هو مبتكر المحددة، غير أن العالم الفرنسي (اوقستين لويس كوشي) (1789 ـ 1857م) عمم المحددة وطبقها على الحياة العلمية.
لقد استعمل الخوارزمي طريقة البنائية لإيجاد جذر المعادلة بكل نجاح، لذا فإن الخطأ بين موضوعين يعتبر من ابتكار الخوارزمي، وهذه الطريقة أدت دورًا مهمٌّا في التحليل العددي، وتعرف في اللغة الإنجليزية باسم False positions
كما عرّف الخوارزمي الوحدة المستعملة في المساحات، واستخـــدم (التكسير) ويقصد بذلك المساحة، سواء كانت سطحية أو حجمية.
كما تطرق إلى إيجاد مساحات بعض السطوح المستقيمة الأضلاع والأجسام، والدائرة، والقطعة، والهرم الثلاثي والرباعي، والمخروط، والكرة، واستعمل النسبة التقريبية وقيمتها ط = 8/22 أو 10 لذا فإن الخوارزمي قد أثرى علم الجبر باستعماله بعض الأفكار الجبرية لمعرفة المساحة.
كان الخوارزمي يعرف أن هناك حالات يستحيل فيها إيجاد قيمة للمجهول (الكميات التخيلية) وسماها الحالة المستحيلة، وبقيت معروفة بهذا الاسم بين علماء الرياضيات حتى بدأ العالم السويسري المعروف ليونارد أويلر (1707 ـ 1783م) وعرف أويلر الكميات التخيلية بأنها الكمية التي إذا ضربت في نفسها كان الناتج مقدارًا سالبًا وأعطى كثيرًا من الأمثلة على هذا.
ثم جاء العالم الألماني كارل قاوس (1777 ـ 1855م) فركز على دراسة الكميات التخيلية وخواصها وبلورها والجدير بالذكر أن الكميات التخيلية قادت في النهاية إلى معرفة التحليل المركب الذي يعتبر من أهم العلوم الرياضية في العصر الحديث.
وممـا لا يقبل الجدل والتأويل أن الفضل يرجع أولاً وأخيرًا لله تعالى ثم للعالم الإسلامي محمد بن موسى الخوارزمي ثم لعلماء الغرب الذين طوروا في الكميات التخيلية حتى وصلوا بها إلى أن صارت علمًا مستقلا يعرف بعلم التحليل المركب. رحم الله علمائنا الأفذاذ جزاء ما قدموا لنا.
* راجع كتاب (موسوعة نوابغ العرب والمسلمين في العلوم الرياضية).
موضو رائع استاذ مشكور
ردحذفموضوع رائع جدا مشكور استاذ
ردحذف